للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ذهابهم وغيابهم، ليحمل معوله فيحطم به الأصنام المقدسة عندهم صنما بعد صنم، حتى تتطاير شظاياها ولا يبقى منها إلا الفتات، ويهديه الرشد الذي أكرمه الله به إلى أن يستبقي بالخصوص كبير تلك الأصنام، الذي هو أضخمها حجما، وأكبرها منزلة، ويقال إنه كان مصوغا من ذهب، وفي عينيه جوهرتان تضيئان بالليل {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ}.

وإنما استبقى إبراهيم صنمهم الأكبر حسبما يوضحه السياق، لإقامة الحجة عليهم عندما يفاجأون بانتهاك حرمة أصنامهم وتحطيمها، فلا يجدون ملجئا إلا ذاك الصنم الكبير، يسألونه ويستفسرونه عن هذه الكارثة، فيبدو إذ ذاك عجز الأصنام التام كبيرها وصغيرها، إذ لا ترد على سؤالهم بأدنى جواب، ولا تنزل بمن فعل هذه الفعلة الكبرى أي عقاب، وتصر على صمتها المطبق دون أن تقدم أي جواب، وبذلك تسقط حرمة الأصنام وهيبتها من القلوب، ويصل إبراهيم إلى الغرض المطلوب، وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى حكاية عن قوم إبراهيم: {قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ * فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ}.

وها هنا يبدو نوع من التحول والتطور في الموقف، فقد حكى كتاب الله عن قوم إبراهيم من قبل أنهم استنكروا ما حدث بأصنامهم من التحطيم والتهشيم، ووصفوا فاعل ذلك من قبل أن

<<  <  ج: ص:  >  >>