بأعباء النبوة بعد أن لم تفلح دعوته في قومه، ففارقهم مغاضبا لهم من أجل ربه، ثم ندم على مفارقتهم ورجع إليهم امتثالا لأمر الله، بعد ما تابوا إلى الله ورفع عنهم العذاب، {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ}.
ومجمل قصته التي ستأتي بتفصيل في سورة الصافات، وبإيجاز في سورة القلم: أن يونس فارق قومه ساخطا عليهم، وكان فراقه لهم عن اجتهاد من عنده، لا بإذن من ربه، ظنا منه أنه يستطيع أن يؤدي واجبه حيثما حل وارتحل، وأن دعوته التي لم ينتفع بها قومه يمكن أن تجد آذانا صاغية عند قوم آخرين، لكنه بمجرد ما فارق قومه وأظلهم العذاب تضرعوا إلى الله وتابوا إليه، وسرعان ما عادوا إلى الصواب، فرفع عنهم العذاب، غير أن يونس عليه السلام لم يعلم بتوبتهم في هذه الأثناء، وكان قد انتهى به المطاف إلى شاطئ البحر فركب سفينة مع ركاب آخرين، وما لبثت السفينة أن أشرفت على الغرق، فاضطر ربانها إلى أن يقرع بين ركابها، ليلقي أحدهم في البحر تخفيفا عنها، وإنقاذا لها ولبقية الركاب، فكانت نتيجة القرعة إلقاء يونس في البحر دون غيره، فالتقمه الحوت، ومن هنا أطلق عليه كتاب الله هذا اللقب (ذا النون).
وهنا بدأ تمحيص الله لنبيه يونس على ما أقدم عليه من فراق قومه دون إذن من ربه، زجرا له عن المعاودة