مسلكه، وخصه على أن يعتصم بالصبر في دعوته، ولا يضيق ذرعا بجحود قومه ومعاناة أمته، ولذلك خاطبه الحق سبحانه وتعالى بقوله في سورة القلم:{فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ * لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ}[الآيتان: ٤٨، ٤٩].
وانتقل كتاب الله إلى الحديث عن زكريا حين سأل الله أن يهبه ولدا يكون نبيا من بعده، فقال تعالى:{وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} أي لا تذرني منفردا وحيدا، وارزقني وارثا يرثني، ويبقى القيام بأمر الدين على يده في عقبي، ثم رد أمره إلى الله، سواء رزقه من يرثه أو لم يرزقه، إذ أنه سبحانه هو خير من يرث الأرض ومن عليها، وهو لدينه خير الحافظين، فحقق الله أمنيته، ولبى رغبته {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ}، وإصلاحها أن الله جعلها ولودا بعد أن كانت لا تلد، وكما سبقت قصة زكريا وزوجه وابنه يحيى في سورة آل عمران وفي أول سورة مريم، قبل الشروع في الحديث عن عيسى ابن مريم وأمه العذراء يتكرر نفس الموقف في هذه السورة أيضا، فيأتي الحديث عنه وعنها بعد الحديث عن زكريا، للقرابة التي كانت بينهم، وذلك قوله تعالى:{وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ}، على غرار قوله تعالى في سورة التحريم:{وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ}[الآية: ١٢]. والمراد " بالإحصان "