هنا العفاف والصون والزهد في كل " مباشرة " كيفما كانت حتى ولو كانت حلالا، على غرار ما حكاه كتاب الله في آية أخرى على لسان مريم عليها السلام إذ قال:{وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا}[مريم: ٢٠]، وإضافة " الروح " إليه تعالى في قوله: {مِنْ رُوحِنَا} إنما هي على جهة التشريف، وقد أوضح كتاب الله المراد بذلك في آية أخرى، إذ قال تعالى:{فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا}[مريم: ١٧].
وقوله تعالى هنا:{آيَةً لِلْعَالَمِينَ} جاء بالإفراد لا بالجمع، وإن كان في مريم آيات، وفي عيسى آيات، لأن أمر الولادة من غير ذكر، الذي هو محور هذه القصة، هو في الواقع آية واحدة حسبما نبه على ذلك أبو حيان، والمراد " بالعالمين " من اعتبر بهذه القصة من عالم زمانها ثم عالم بقية الأزمان، دلالة على أن الله قادر على كل شيء، وما يشاء الله كان.
وكما اثنى الله في الربع الماضي من سورة الأنبياء على أنبيائه ورسله فقال:{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} أثنى عليهم سبحان وتعالى في هذا الربع من نفس السورة، فقال تعالى:{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}.
وقوله تعالى هنا:{رَغَبًا وَرَهَبًا} أي يدعونه وقت الرغبة ووقت الرهبة، في حال الشدة وحال الرخاء، ويمكن أن يكون المراد به أنهم في حالة دعائهم يجمعون بين الرغبة والرهبة وبين