الخوف والرجاء، إذ لا مانع يمنع من ذلك، عند العارفين والسالكين لهذه المسالك، وإذا كان كتاب الله يثني على الأنبياء والرسل السابقين، ويصف أحوالهم وأخلاقهم للمؤمنين اللاحقين، فإنما يضرب المثل بهم، ويلفت النظر إليهم، ليتأكد من جاء بعدهم من الخلف، أن أحسن قدوة يقتدون بها هي سيرة السلف {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}[الأنعام: ٩٠]. وهكذا يكون ثناء الله على أنبيائه ورسله في هذه السورة دعوة ملحة إلى ممارسة ما كانوا عليه من فعل الخيرات، والمسارعة على المبرات، ومن إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والتزام العبادة والخشوع، بشكل متواصل غير مقطوع.
وكما قال تعالى في الربع الأول من سورة الأنبياء:{هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي}[الآية: ٢٤]، {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}[الآية: ٢٥]، أكد كتاب الله نفس المعنى وزاده بيانا وتوضيحا في هذا الربع، فقال تعالى:{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}، منبها بذلك إلى أن جميع أنبياء الله ورسله مجمعون على التوحيد مجتمعون عليه، لا يعرفون لهم دينا سواه، منذ بدأت النبوات والرسالات إلى أن ختمت، وكذلك الأمر بالنسبة لكافة المؤمنين الموحدين من أتباع الأنبياء والرسل جميعا، في أي عصر كانوا، وفي أي مكان وجدوا، فإنهم يكونون أمة واحدة على تعدد طبقاتهم وحلقاتهم، فأمة التوحيد هي بحق الأمة الوحيدة التي لا تعدد فيها