نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} فمن تفكر في حياته وتدبر، أدرك بفطرته السليمة أن بعث الإنسان ونشأته الثانية أسهل وأيسر، وإن كان الكل في قدرة الله على السواء، إذ لا فرق بين إبداع وإبداع، وإنشاء وإنشاء {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[يس: ٨٢]. وهذا أول دليل يسقط به جدل المجادلين، الذين يجادلون في قدرة الله على بعث الخليقة وحشرها يوم الدين.
و" النطفة " هي ماء الإخصاب الدافق، فإذا كبر حجم النطفة وتعلقت في جدار الرحم سميت " علقة " أخذا من علوق الشيء بغيره إذا تعلق به، و " المضغة " هي قدر ما يمضغ من اللحم، و " المخلقة " تامة الخلق، و " غير المخلقة " غير الكاملة والسقط، وإلى هذه الأطوار نفسها يشير قول الله تعالى في آية أخرى:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}[المومنون: ١٢، ١٣، ١٤]. وقد وقف علم التشريح والأجنة في هذا العصر مبهورا أما ما حدده كتاب الله في شأن ترتيب خلق الجنين، ولم يستطع أن يزيد ولا أن ينقص مما ورد في الذكر الحكيم، من المسميات والمفاهيم {ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}[الأنعام: ٩٦].
وقوله تعالى هنا:{لِنُبَيِّنَ لَكُمْ} كأنه يقول - فيما يراه