عن آيات بينات تقنع كل ذي عقل سليم، وتتجاوب مع كل فطرة سليمة، فمن جادل فيها فإنما يجادل عن جهل أو عناد أو نفاق، وذلك قوله تعالى هنا:{وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ}.
وأشار كتاب الله إلى أن أمة التوحيد والإيمان التي تمسكت بعبادة الرحمن سيفصل الله بينها وبين من تقطعوا أمرهم بينهم، ففارقوا حظيرة التوحيد، وذلك قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}.
ونبه كتاب الله كافة الطوائف والأقوام إلى أن عالم الملك والملكوت بجميع ما فيه خاضع لله تعالى، مطيع لذي الجلال والإكرام، لا يستكبر عن عبادته وطاعته، ما عدا طائفة ضالة تمردت على الله وتنكرت لهدايته، لا يحسب لها حساب، وحقت عليها كلمة العذاب، {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ}.
وخُتِم هذا الربع بالإشارة إلى أن من خلقه الله في أحسن تقويم، وأكرمه بالعقل والإيمان، ثم هانت نفسه عليه فرضي لها بالعكوف عل عبادة الأصنام والأوثان، ولم ينجع في هدايته إلى الحق لا دليل ولا برهان، لا سبيل إلى إنقاذه من الهوان والخسران، وذلك قوله تعالى:{وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ}.