للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ليذكر الجميع بحقيقة ثابتة لا مناص من الاعتراف بها والالتزام بنتائجها، ألا وهي: أن الله تعالى لم يخلق الإنسان عبثا، وإنما خلقه لإبراز حكمة إلهية من وراء إيجاده وإمداده، وإنجاز مهمة سامية في مستوى إدراكه واستعداده، ألا وهي جعله خليفة في الأرض يقوم بعمارتها واستثمار خيراتها، طبقا لمنهج إلهي حكيم، يكون مسؤولا عن تطبيقه كاملا، كي لا يقع في خلافته خلل ولا اضطراب، ويؤدي عنه لربه أدق الحساب، لينال ما هو أهل له من الثواب أو العقاب، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى هنا موجها الخطاب إلى كافة البشر، من حضر منهم ومن غبر: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} على غرار قوله تعالى في سورة القيامة: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} [الآية: ٣٦] أي غير مسؤول عن عمله كالحيوانات العجماء، ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى في سورة الدخان: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الآيتان: ٣٨، ٣٩]، وقوله تعالى في سورة الأنبياء: {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ} [الآية: ١٧]. فلا عبث ولا لعب ولا لهو ولا إعفاء من المسؤولية، لا في العالم العلوي ولا في العالم السفلي، وإبطالا لما يمكن توهمه عند سخفاء العقول، من أن خلق الإنسان داخل في نطاق العبث، ولا حكمه فيه، ولا مسؤولية من ورائه، عقب كتاب الله بما يؤكد تنزيه الحق سبحانه وتعالى عن أن يخلق شيئا عبثا، مهما يكن ذلك الشيء ضئيلا، فضلا عن الإنسان الذي خلقه الله في أحسن تقويم، وكرمه أجل تكريم، فقال تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>