{فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} أي تقدس وتنزه عن كل نظر سخيف لا يدرك دقيق حكمته، البارزة في صنع إرادته وقدرته، فهو ملك حق، لا يسوس ملكه وملكوته إلا بالحق، وكما أنه لا يأمر بأي شيء عبثا، فإنه لا يخلق أي شيء عبثا، وينظر إلى هذا المعنى قوله تعالى في سورة الحجر:{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ}[الآية: ٨٥]. وتأكيدا لتنزيهه سبحانه عن الأولاد والأنداد، طبقا لقوله تعالى في الربع الماضي:{مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} قال تعالى هنا: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}.
ومن لطائف هذه السورة ذكر العرش فيها مرتين، موصوفا في إحداهما بوصف العظمة، كما سبق في قوله تعالى:{قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}، وبوصف الكرم، كما في قوله تعالى هنا:{رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}، لنسبته إلى أكرم الأكرمين، بينما وقع ذكر العرش عند وروده في بقية السور مجردا من الوصف، أو موصوفا بالعظمة دون غيرها، إلا في سورة البروج، حيث انفرد ذكر العرش فيها موصوفا بصفة المجد {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} [الآيتان: ١٤، ١٥].
وإمعانا في إقامة الحجة على من يشرك بالله غيره، وإرخاء للعنان في مجادلتهم والحوار معهم تحدث كتاب الله عن هذا الصنف الضال من الناس، بما يشعر أنه على كامل الاستعداد للتحاكم معهم إلى العقل والمنطق، ولقبول زعمهم الباطل إذا استطاعوا أن يقيموا عليه الحجة والبرهان، أما أن يصروا على