بمثل ما يرجون أن يعاملهم به ربهم، ما داموا يرغبون هم أيضا في عفو الله وغفرانه، ونيل رضوانه، فقال تعالى:{وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
وإذا كان كتاب الله في الربع الماضي قد شدد النكير على المفترين الذين يرمون المحصنات المؤمنات، وبين حد القذف الذي يطبق عليهم إذا لم يشهد معهم أربعة شهداء، وهو أن يجلدوا ثمانين جلدة، فإنه قد عاد في هذا الربع يشدد النكير عليهم أضعافا مضاعفة، " حيث جعل القذفة ملعونين في الدارين جميعا، وتوعدهم بالعذاب العظيم في الآخرة، وبأن ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم ستشهد عليهم بما أفكوا وبهتوا، وأنه سيوفيهم جزاءهم الحق الواجب، الذي هم أهله، حتى يعلموا عند ذلك أنه المبين " وقد أحسن الزمخشري صنعا عندما فسر بهذه العبارات الناصعة قوله تعالى في هذا الصدد: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ}. ووصف كتاب الله المحصنات المؤمنات هنا بوصف (الغافلات)، تنبيها إلى أن الشأن في المحصنات المؤمنات أن يكن سليمات الصدور، نقيات القلوب، ليس فيهن مكر ولا دهاء، ولا يخطر ببالهن تفكير فيما هو من قبيل المنكر والفحشاء، فهن في غفلة عما ينسب إليهن، ولذلك كان وصفهن بهذه الغفلة مدحا لهن، وثناء عليهن.