وإذا كان الوعيد الذي تتضمنه هذه الآيات عاما ونافذا في حق كل من قذف المحصنات المؤمنات على العموم، فإنه يكون نافذا من باب أولى وأحرى في حق من تجرأ على مقام أمهات المؤمنين بالخصوص ولا سيما عائشة بنت الصديق، التي كانت قصة الإفك في حقها سبب النزول بالأخص، وإلى نفس هذا المعنى يشير قوله تعالى في سورة الأحزاب:{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا}[الآية: ٥٧].
وكما نبه كتاب الله في الربع الماضي إلى ما للمشاركة والمجانسة من أثر في الحياة الزوجية إذ قال:{الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ}[النور: ٣]، زاد هذا المعنى إيضاحا وتوكيدا في هذا الربع، فقال تعالى:{الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} قال ابن كثير: " وما كان الله ليجعل عائشة زوجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهي طيبة، لأنه أطيب من كل طيب من البشر، ولو كانت خبيثة لما صلحت له، لا شرعا ولا قدرا، ولهذا قال تعالى:{أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ}، والإشارة هنا إلى الطيبين والطيبات أي هم بعداء عما يقوله أهل الإفك والعدوان {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}. وقال جار الله الزمخشري: لقد برأ الله أربعة بأربعة: برأ يوسف بلسان الشاهد {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا}[يوسف: ٢٦]، وبرأ موسى من قول اليهود فيه بالحجر الذي ذهب بثوبه {كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ