اللَّهُ مِمَّا قَالُوا} [الأحزاب: ٦٩]، وبرأ مريم بإنطاق ولدها حتى نادى من حجرها {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ}[مريم: ٣٠]، وبرأ عائشة بهذه الآيات العظام في كتابه المعجز المتلو على وجه الدهر، مثل هذه التبرئة، بهذه المبالغات، فانظر كم بينها وبين تبرئه أولئك، وما ذاك إلا لإظهار علو منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتنبيه على إنافة محل سيد ولد آدم وخيرة الأولين والآخرين، وحجة الله على العالمين ".
وتصدى كتاب الله لتحديد النظام الذي يجب أن يتبع عند تزاور المسلمين، في بيوتهم، وغشيان بعضهم منازل بعض، وما يلزم لذلك من سبق الاستئذان، حتى لا يقتحم أحد منهم منزل الآخر دون رضاه، فيتصرف في ملك الغير بغير إذنه تصرف الغاصب المتغلب، على خلاف الشرع والطبع، لا سيما وأن من أوجب واجبات المسلم أن لا يطلع على عورة أخيه، ولا تسبق عينيه إلى ما لا يحل نظره إليه، خصوصا الشؤون الداخلية التي جرت العادة بالتستر عليها، وعدم السماح بالكشف عنها، وحول هذه المعاني يدور قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} أي أن الاستيذان ثم التسليم خير للمستأذن وخير لأهل البيت، فلا المستأذن يفاجأ من طرف أهل البيت بما يكره، ولا أهل البيت يفاجأون من طرف المستأذن بما يكرهون. ثم قال تعالى:{فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ} أي حتى تجدوا من يأذن لكم، فالبيت محجوب، لما فيه،