تعالى:{وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا}، فالمراد " بالفتيات " هنا الإماء، على حد قوله عليه السلام:(ليقل أحدكم فتاي وفتاتي، ولا يقل عبدي وأمتي) وإنما قيل " إن أردن تحصنا " تصويرا لحالة الإكراه، حيث إن إكراههن على البغاء لا يتصور إلا عند إرادتهن للتحصن، وليس معنى ذلك إباحة البغاء عند الرغبة فيه وعدم الإكراه عليه، وقوله تعالى:{لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} إشارة إلى الدافع الخسيس الذي كان يدفع بعض مالكي الإماء في الجاهلية إلى استغلالهن في ممارسة البغاء، وقد كان رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول على رأس الذين يتاجرون في عرض إمائه، فوقف الإسلام له ولأمثاله بالمرصاد، وقضى على ما كان سائدا في عهد الجاهلية من الانحراف والفساد. ثم قال تعالى في نفس السياق:{وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أي غفور لهن ما أكرهن عليه، وإثمهن على من أكرههن، وفي الحديث المرفوع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ".
وختم هذا الربع بتبيين الحكمة فيما تضمنته هذه السورة المدنية من تشريعات كلها تأسيس وتأصيل، مصحوبة بكثير من البيان والتفصيل، سعيا في هداية الخلق، وتمييزا للطيب من الخبيث والباطل من الحق، فقال تعالى:{وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ} يشير إلى قصة عائشة، المماثلة لقصة مريم وقصة يوسف عليهما السلام {وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ}.