فيها وأودعها إياها، فلا بد للإنسان وهو كائن مخير إذا أراد أن يسير في حياته سيرا متئدا موفقا سعيدا، من التزام الشرائع الإلهية، التي هي بالنسبة إليه مثل النواميس الكونية بالنسبة للطبيعة المسخرة، وقد وصف كتاب الله الهداية الإلهية بكونها نورا يخرج الناس من الظلمات في عدة آيات، منها قوله تعالى:{هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}[الحديد: ٩]، وقوله تعالى:{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}[البقرة: ٢٥٧]، وقوله تعالى:{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}[إبراهيم: ١]، وقوله تعالى:{مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا}[الشورى: ٥٢]، وقوله تعالى:{فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الأعراف: ١٥٧]، وقوله تعالى:{قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ}[المائدة: ١٥]. وعلى ضوء هذا المعنى يكون قوله تعالى في بداية هذا الربع:{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} تعقيبا مناسبا على جميع آيات الأحكام التي سبق تفسيرها من سورة النور المدنية في الربعين الماضيين، ويكون مرتبطا بها كلها في سياق واحد، ومن نسق واحد، وأضيف لفظ (النور) في هذه الآية إلى السماوات والأرض للدلالة على سعة إشراقه وإنارته، وقوة انتشاره وإضاءته، إذ يستضيء به أهل السماوات والأرض جميعا، فنور الله لازم لتدبير شؤون الإنسان كيفما كان، كما هو لازم لتسخير بقية الأكوان، والعالم كله علويه وسفليه مشحون بالأنوار، ما بين أنوار