فطر الله الناس عليها، فنزلوا عند حكمها مضطرين كلما تحاكموا إليها. ونبه كتاب الله في نهاية هذا السياق إلى أن الغاية من ضرب المثل الذي تضمنته الآيات السابقة هي تصوير الأثر البالغ، الذي يحدثه النور الإلهي، عندما تتخلل أضواؤه زوايا قلب المؤمن، فتنيره من كل جانب، فالأمر يتعلق بتقريب الانفعالات الروحية، والظواهر النفسية، إلى الأفهام العادية، تيسيرا على عامة الناس، وتسهيلا لإدراك الحقائق حتى يزول عنها وعنهم كل التباس، أما الحق سبحانه وتعالى فهو غني عن ضرب المثل، لأنه يعلم ما ظهر وما بطن منذ الأزل، وذلك قوله تعالى:{وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.
وكما فصل كتاب الله في الربع الماضي ما يلزم تطبيقه من الأحكام على بيوت الناس المسكونة وغير المسكونة، مما هو داخل في ملكهم الخاص، تناول في هذا الربع بيوت الله في الأرض، التي هي قطعة من الملأ الأعلى في الملأ الأدنى، وهي بيوت عامة مفتوحة الأبواب في وجوه كافة المؤمنين والمؤمنات، وتصدق على جميع المساجد حيثما كانت وأينما كانت، فقال تعالى:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} والمراد " بالإذن " هنا الأمر، أي أمر الله أن ترفع.
- ورفع بيوت الله يدل على معنيين جليلين:
- المعنى الأول- الأمر بتشييدها وبنائها لتؤدي الرسالة المنوطة بها في الدين على أحسن وجه، فكلمة (رفع) تستعمل بمعنى بنى، كما في قوله تعالى: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ