تعالى في إيجاز وإعجاز:{مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ}، قال أبي بن كعب في تفسير هذه الآيات مع الاقتصار على أهم الفقرات:" هذا مثل المؤمن، فالمشكاة نفسه، والزجاجة قلبه، والمصباح ما جعله الله فيه من الإيمان والقرآن، {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ} هي شجرة الإخلاص لله وحده {لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ} هي خضراء ناعمة، لا تصيبها الشمس على أي حال كانت، لا إذا طلعت ولا إذا غربت، وكذلك المؤمن يحترس من أن يصيبه شيء من الفتن، وقد يبتلى بها فيثبته الله فيها، فهو بين أربع خلال: " إن أعطي شكر، وإن ابتلي صبر، وإن قال صدق، وإن حكم عدل " {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ} أي يكاد قلب المؤمن يعرف الحق قبل أن يتبين له، لموافقته إياه، وإلى هذا المعنى ينظر قوله صلى الله عليه وسلم:(اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله){نُورٌ عَلَى نُورٍ} فهو يتقلب في خمسة أنوار: قوله نور، وعمله نور، ومدخله نور، ومخرجه نور، ومصيره يوم القيامة إلى النور، أي مصداقا لقوله تعالى:{يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا}[الحديد: ١٢]، انتهى ما رواه المفسرون عن أبي بن كعب في تفسير هذه الآيات. والمراد بمدخل المؤمن ومخرجه هنا سره وعلانيته. ثم قال تعالى:{يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} أي يوفق لإصابة الحق من يشاء من عباده، إما اعتمادا على الذكر الحكيم، أو استنادا إلى العقل السليم، أو استئناسا بالفطرة التي