ومضيا في نفس السياق، واستمرارا في نفس الموضوع، أخبرنا كتاب الله في بداية هذا الربع بالأثر البالغ الذي أحدثته الآيات السابقة في نفوس المنافقين حيث كشفت عنهم الستار، وفضحت ما ينطوون عليه من الجحود والإنكار، فلم يسعهم إلا أن يلجأوا إلى الأيمان المغلظة يقسمون بها، ويكثرون منها، ليؤكدوا إيمانهم وطاعتهم، وليخادعوا الله ورسوله والمؤمنين إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا، وكان من بين ما أقسموا عليه، للدلالة على إخلاصهم وصدق إيمانهم، أنهم على كامل الاستعداد، لمفارقة المال والأهل والأولاد، والخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل الجهاد، لكن الوحي الإلهي سجل عليهم مرة أخرى نفاقهم فيما يدلون به من أيمان كاذبة، وعرف رسوله بأن الطاعة التي يعلنونها لا فائدة من ورائها، لأنها مشكوك في أمرها، ومدخولة من أصلها، وأنهم مهما حاولوا إخفاء حقيقتهم، فإن الله تعالى مطلع على سرائرهم، لأنه يعلم السر وأخفى، وإلى ذلك يشير قوله تعالى هنا:{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} أي طاقة ما قدروا أن يحلفوا {لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.
ثم أعاد كتاب الله الكرة داعيا الناس جميعا إلى طاعة الله وطاعة رسوله، مبينا أن الإعراض عن الدعوة الإلهية، والهداية الربانية، لا يعفي أحدا من مسؤولياته، وكما أن الرسول عليه السلام قد حمله الله رسالة لن يستطيع التخلي عنها، ولا بد له من