سواء فيما بين أفرادها بعضهم مع بعض، أو فيما بين الراعي منهم والرعية، حذر كتاب الله من التمرد على تلك الضوابط والمخالفة لتلك التعليمات، مبينا ما يؤدي إليه عدم اتباعها والخروج عليها والإعراض عنها من أسوأ العواقب، في الدنيا والآخرة، فقال تعالى:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} لأن اعتقاد ما هو مخالف لقول الله كفر، وفعل ما هو مخالف لأمره معصية. وتصدق هذه الآية الكريمة أيضا على الاجتماعات التي تعقد للنظر في (أمر جامع) تتوقف عليه مصلحة المسلمين العامة، طبقا لأصول الإسلام الثابتة، فلا يسوغ الخروج على مقرراتها، ولا مخالفة توجيهاتها، إذ الغرض الأساسي منها متى دعا إليها الرسول وصالحو المؤمنين هو الحصول على الإجماع والاتفاق، وتفادي الخلاف والشقاق، ومتى وقع الخروج عليها منيت الأمة بالانحلال والفشل، وأصيبت الدولة بمختلف الأدواء والعلل. ومن قوله تعالى هنا:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ}[الآية: ٦٣]، استنبط المحققون من علماء الأصول أن " الأمر " صريح في الاقتضاء والطلب، وأن كونه للوجوب إنما يؤخذ من توجه اللوم والذم، وترتيب العقاب على مخالفته.
ثم ذكر كتاب الله كل من في قلوبهم مرض، ممن يخيل إليهم أنهم بمنجاة من رقابته وسطوته، أنه لا يخفى عليه من أحوالهم شيء، وإن بالغوا في التستر بها، والتظاهر بغيرها، وأنه سينبئهم بما عملوا ويؤاخذهم عليه، فقال تعالى: {أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ