فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}، إذ كيف يخفى عليه أمرهم وجميع ما في السماوات والأرض في قبضته، خلقا وملكا وعلما، وواضح أن لفظ (قد) في قوله تعالى هنا: {قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ} لا يعني في هذا السياق إلا توكيد علمه سبحانه بما هم عليه من المخالفة والنفاق، وكما أفاد لفظ (قد) في قوله تعالى من قبل: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا} تحقيق علمه سبحانه بهم وتوكيده، أفاد لفظ (قد) هنا نفس المعنى، والمغزى المراد من توكيد العلم في كلتا الآيتين هو توكيد الوعيد الذي تتضمنه الواحدة تلو الأخرى، حسبما نبه على ذلك جار الله الزمخشري.
والآن وقد أشرفنا على نهاية "سورة النور" المدنية ننتقل إلى "سورة الفرقان" المكية، ملتمسين من الله التوفيق والسداد، ومن لطائف التفسير ما يلاحظ من أن فاتحة الفرقان التي نحن بصدد تفسيرها الآن جاء في غاية المناسبة لسورة النور في فاتحتها وخاتمتها معا، فكما قال تعالى في فاتحة سورة النور السابقة:{سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} وفي خاتمتها: {أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}[الآية: ٦٤]. قال سبحانه في بداية سورة الفرقان:{بسم الله الرحمن الرحيم تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}[الآية: ١] وإنما سمى الله القرآن (فرقانا) لأنه يفرق بين الحلال والحرام، والحق والباطل، والهدى والضلال، والرشد والغي،