ومن هذه الآية وما شابهها استنبط علماء الشريعة في (الأحكام السلطانية) التي تقابل في الفقه الإسلامي (القانون والنظام الدستوري الحديث) جملة من الشروط المعتبرة في الإمامة العظمى، فذكروا في طليعتها العلم المؤدي إلى الاجتهاد وحسن النظر في النوازل والأحكام، والرأي المفضي إلى حسن سياسة الرعية وتدبير مصالحها العامة، والشجاعة المؤدية إلى حماية البيضة وصد العدو، وسلامة الأعضاء والحواس من كل نقص يمنع من مباشرة المهام، التي هي في عهدة الإمام.
كما تشير نفس الآية إلى أن الرياسة العليا للأمة والدولة لا يكفي للبت في أمرها مجرد الهوى الشخصي ومعسول الأماني، بل إن للحكمة الإلهية-التي كثيرا ما تبقى مطوية في عالم الغيب- دخلا كبيرا في الترشيح لها والإعانة عليها، وإن كره الكارهون، وهذا ما تومئ إليه الآية:{وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.
أمامنا قوله تعالى:{فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ}. وهذه الآية تشير إلى وجوب اختيار الرؤساء لمرؤوسيهم، وقادة الجيوش لعساكرهم، وتنبه إلى أن السر كل السر كامن في طاعة القيادة العليا وامتثال أوامرها الرشيدة، دون تردد ولا اعتراض، فهذا هو مفتاح النجاح والنصر في مختلف المعارك وفي مختلف العصور.
والاختبار الذي تشير إليه الآية هو في حد ذاته اختبار