أن الإنسان يكره بطبعه الظلمة الخالصة وينفر منها، فإنه لا يحب الضوء الخالص الذي يسطع بقوة فيبهر البصر، والذي يرهق الجسم فيضعفه ويؤذيه بحرارته الزائدة، بل يفضل الظل عليهما معا، لأنه بالنسبة لطبيعته وتكوينه أطيب الأحوال، ولذلك جعله الحق سبحانه وتعالى معدودا في جملة النعم التي سيكرم بها أصحاب اليمين في دار النعيم، إذ قال:{وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ * وَظِلٍّ مَمْدُودٍ}[الواقعة: ٢٧، ٢٨، ٢٩، ٣٠] وقال: {لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا}[النساء: ٥٧]، وحرم المكذبين بيوم الدين من هذه النعمة الكبرى، فقال تعالى في شأنهم:{انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ * انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ * لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ}[المرسلات: ٢٩، ٣٠، ٣١]، ومعنى قوله:{لَا ظَلِيلٍ} أي لا يفيد فائدة الظل في كونه واقيا من الحر، وقال تعالى:{وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ * وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ}[فاطر: ١٩، ٢١]. وعلى غرار الإنسان الذي يميل إلى الطقس المعتدل، ويفضل الظل الذي يلطف الحرارة نجد النباتات والحيوانات، بل حتى الحشرات، تبحث بدورها عن الظل، وتفضل الحياة في كنفه، وذلك لتنعم بحرارة مقبولة يمكنها أن تتحملها وتساعدها على البقاء. ونظرا لكون الظل من أهم العوامل الملطفة للجو، استعمله العرب في لغتهم كناية عن معنى " الراحة " فقالوا " السلطان ظل الله في الأرض "، قاصدين بذلك أن الشأن في السلطان أن يدفع الأذى عن الناس ويرعى مصالحهم، كما