ثم لعمها الظلام عند الغروب دفعة واحدة، فكان الليل فيها جميعا، لكن حكمة الله اقتضت أن تظل الحياة نابضة فيها على الدوام، وذلك على سبيل التناوب بين نصفها الذي يكون نهارا ونصفها الذي يكون ليلا. تعريفا من الله لعباده، بما في تعاقب الليل والنهار من منافع لهم، وامتنانا عليهم، قال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا}، فشبه كتاب الله الليل باللباس، لكونه يستر الأشياء والأحياء كما يستر اللباس البدن، إذ في الليل تهدأ الحركة العامة، ويتوقف النشاط اليومي، ويغشى الناس مساكنهم ليسكنوا إلى أهليهم وذويهم، ويقضوا جزءا من الليل في ممارسة حياتهم الخاصة بين الأقرباء، وذلك في ستر تام من فضول الرقباء، وأنسب شيء بالذكر في هذا المقام، هو نوم الليل الذي يعتبر أحسن غذاء للجسم بالراحة والاستجمام، وإنما وصف كتاب الله النوم بكونه {سُبَاتًا}، لما يلازمه في العادة من التمدد والاسترخاء وتوقف الحركات، التي تشترك في القيام بها أثناء النهار مختلف الأعضاء والجوارح والملكات، ووصف كتاب الله النهار، بكونه {نُشُورًا}، تشبيها لقيام الناس فيه من النوم، وانتشارهم في الأرض لمكاسبهم ومعايشهم، بقيامهم من الموت، وهو البعث الذي يطلق عليه اسم (النشور) حقيقة لا مجازا، وسبق ذكر " النشور " بمعناه الحقيقي في قوله تعالى في هذه السورة: {بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا}[الآية: ٤٠].