ثم نبه كتاب الله كافة الأنظار إلى ظاهرة أخرى جديرة بالتدبر والاعتبار، والكشف عما في كوينها وتصريفها من حكم وأسرار، وهذه الظاهرة هي ظاهرة تصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لإنزال الأمطار، وما يتبع ذلك من نتائج وآثار، وذلك قوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا}، مشيرا إلى أن دور الرياح، أو الهواء الصاعد إلى أعلى، في إثارة السحب على اختلاف أنواعها، وتلقيحها ببخار لكي تجود بالمطر، هو الدور الرئيسي الذي بدونه لا يمكن أن تنزل من السماء، قطرة واحدة من الماء، ومؤكدا لمن لا يزال عنده شك، ان تصريف الرياح وإرسالها أمر لا يقدر عليه إلا الله تعالى وحده، الذي له الخلق والأمر، لأنه يتوقف على طاقة عظمى، ويحتاج إلى تدبير كبير فوق طاقة الإنسان المحدودة وتدبيره القاصر {وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ}.
وقوله تعالى هنا:{بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} على غرار قوله تعالى في آية أخرى: {وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا}[المرسلات: ٣]، من " النشور " الذي هو الحياة بعد الموت، إشارة إلى أن الرياح تسبق السحب، مؤذنة بإحياء الله للبلاد، ورحمته للعباد {لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا}.
وقوله تعالى هنا:{وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} إشارة إلى أن الماء المنزل من السماء طاهر مطهر لغيره، وهو