ذلك هو القوام أي العدل، والقوام في كل واحد بحسب عياله وحاله، وخفة ظهره، وصبره وجلده على الكسب، أو ضد هذه الخصال، وخير الأمور أوساطها "، على حد قوله تعالى في آية أخرى:{وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا}، [الإسراء: ٢٩]، وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد عن أبي الدرداء: " من فقه الرجل قصده في معيشته " وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد أيضا عن عبد الله بن مسعود " ما عال من اقتصد ". أما الإنفاق في المعاصي، فهو أمر محظور حظرت الشريعة قليله وكثيره، وعباد الرحمن الذين أثنى عليهم القرآن منزهون عن هذا النوع من الإنفاق، لأنه من مظاهر الانحراف وآيات النفاق.
والوصف السادس من أوصاف " عباد الرحمن " يشير إليه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ}، بمعنى أنهم أسلموا وجوههم لله بالمرة، وتبرأوا كل البراءة من اتباع الهوى والتمسك بالأثرة والأنانية، فلم يتخذوا إلههم هواهم، فضلا عما هو فوق ذلك من الشرك والوثنية.
والوصف السابع من أوصاف " عباد الرحمن " يشير إليه قوله تعالى: {وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ}، بمعنى أنهم لا يتسببون في قتل النفوس التي أمر الله بحفظها، بل يحافظون بكل الوسائل على حياة أصحابها، إلى أن يأذن الله بموتها، إيمانا منهم بأنه هو وحده الذي يحيي ويميت. وواضح أن الأمر باحترام نفوس الغير يقتضي من باب أولى وأحرى الأمر