وإنما يؤتي منها في كل مقام بالعنصر المناسب للسياق، وبالحلقة التي لها بالموضوع ارتباط وثيق والتصاق، فيزيد ذلك أسلوب القرآن تألقا وجمالا، ويضيف إلى إعجازه تفوقا وكمالا.
وقد اختار كتاب الله أن يختم كل قصة من القصص الواردة في هذه السورة بقوله تعالى:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} فأعيدت هذه الآية سبع مرات بعدد القصص السبع، علاوة على ورودها قبل ذلك في صدر السورة، تعقيبا على ما في خلق النبات وتنوع أصنافه، من حكمة إلهية، ومصلحة إنسانية، إذ قال تعالى:{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}. وإنما أعيد ذكر هذه الآية عقب كل قصة من قصص الأنبياء السابقين، إشارة إلى أن كل واحدة منها كافية لاستخلاص العبر واستذكار المثلات، بالنسبة لما مضى وما هو آت، فالرسول عليه الصلاة والسلام يأخذ منها العبرة التي تناسب منصب الرسالة، بما له من مسؤوليات وتبعات، وما يتطلب القيام به على الوجه الأكمل من المتاعب والتضحيات، كما يستخلص العبرة منها من آمن من قومه ومن كفر، إذ فيما أصاب أقوام الرسل السابقين، من النجاة والخلاص، أو الهلاك والخسران، اللذين تضمنهما كل قصة، عبرة لمن اعتبر، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً}، وهي تتضمن فوق ذلك تقرير حقيقة تاريخية ثابتة، ألا وهي أن انتصار الرسل وانتشار الرسالات لا يعني القضاء التام على أولياء الشيطان، الذين تعهد بإغوائهم