انتقل السحرة من حال إلى حال، وكان لهول المفاجأة في نفس فرعون وملائه وقع الصاعقة أو الزلزال، فبعد أن كانوا " سحرة كفرة " يقسمون " بعزة فرعون "، انقلبوا إلى " مؤمنين بررة " يرجون من الله العفو، فسبقوا إلى الإيمان، من حضر موقف التحدي والرهان، وإذا كان جوابهم قد جاء في هذه السورة موجزا مجملا، فقد سبق في سورة طه مطولا ومفصلا، {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى}[الآيتان: ٧٢، ٧٣].
ثم بين كتاب الله موقف فرعون وملائه من رسالة موسى وما اتخذه من الوسائل الزجرية، والتعبئة النفسية والعسكرية، لمقاومتها والحيلولة دون تحقيق أهدافها، وإلى ذلك يشير قوله تعالى:{فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ* إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ} كما بين كتاب الله بنفس الإيجاز والإعجاز ما قام به موسى عليه السلام، من التدابير الجريئة والخطط المحكمة، التي بلغت الغاية في التنظيم والإحكام، لكونها مسددة الخطى، مؤيدة من الله بالوحي والإلهام، إذ قال تعالى:{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ} - {فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ} وسجل كتاب الله مشاهد المعركة الدائرة بين الحق والباطل بقيادة موسى عليه السلام من جهة، وقيادة فرعون من جهة أخرى، فقال تعالى: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ