قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}. وهذا الحوار الصريح الذي دار بين إبراهيم وأبيه وقومه أبرز ما كان سائدا بينهم من السذاجة والجهل والتقليد الأعمى، الأمر الذي جعل إبراهيم عليه السلام يعلن براءته من الأصنام التي يعبدونها، وعداوته لها، دون تحفظ ولا تردد {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ}.
وكان هذا الرد المفحم من إبراهيم الخليل على قومه الضالين، صدمة بالغة لهم، ومحاولة جادة لنقلهم من عبادة الأصنام إلى عبادة الله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لا يستحق العبادة سواه، فهو الذي يعبده إبراهيم ويطيعه ويتولاه، {إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ}. وبهذه الأوصاف التي وصف بها إبراهيم ربه عرفهم بخصائص الألوهية ومظاهر الربوبية، كما عرفهم ببداية الحياة ونشأة الأحياء، وما يؤول إليه مصير الإنسان في دار البقاء. ومن لطائف التفسير ما يلاحظ في قوله تعالى هنا حكاية عن إبراهيم الخليل:{وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} فقد أسند في هذه الجملة المرض إلى نفسه، وإن كان عن قضاء الله وقدره، أدبا مع الله، وتربية للعارفين بالله، أضف إلى ذلك ان كثيرا من أسباب المرض تحدث بتفريط من نفس الإنسان، لكن لا يتم شفاؤها إلا بإذن الرحيم الرحمن.