في الفضل والمنزلة عند الله، وهذا التفاوت الواقع بينهم ليس تفاوتا في طبيعة رسالتهم نفسها، ولا في محتوى عقيدتهم الإيمانية المشتركة، وإنما هو تفاوت في دائرة الاختصاص المحدودة لكل منهم، إذ تضيق بالنسبة لأحدهم فتنحصر في شعب مخصوص دون غيره، وتتسع بالنسبة لأحدهم بالنسبة لبعضهم حتى تشمل شعبه وشعوب العالم أجمع، وهو أيضا تفاوت في المواهب والخصال التي يمنحها الحق سبحانه وتعالى لهم، فمنهم " أولو العزم " الذين يتحملون في سبيل رسالتهم أقسى المتاعب وأشد التضحيات، ومنهم من يتحمل ما دون ذلك، وهذا ما ينبغي فهمه من قوله تعالى:{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ}. بعد قوله تعالى في نهاية الربع الماضي:{تِلْكَ آيَاتُ اللهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ}.
ومن أبرز المبادئ والقواعد الأساسية في الإسلام التي اشتمل عليها هذا الربع قوله تعالى:{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ}. أي بالأنداد والأوثان وما يدعو إليه الشيطان {وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}. فهذه الآية تقرر أن الإسلام دين يقوم الإيمان به على الاقتناع بعقائده الواضحة، والإعجاب بشعائره الكاملة، والرضى بشرائعه العادلة، وأنه دين حجة وبرهان، يوجهان الإنسان تلقائيا نحو الإيمان والإذعان، فمن آمن به كان له ما لبقية المسلمين من حقوق وعليه ما عليهم من واجبات، ومن لم يؤمن به وهو في دار الإسلام وجب عليه أن يلتزم طاعة الدولة