ولم ينفعهم ظل ولا ماء، خرجوا إلى البرية في الصحراء، يبحثون عن النسيم وبرد الهواء، وإذا بسحابة كثيفة أقبلت عليهم من السماء، فهرعوا إليها مسرعين عسى أن تكون لهم ظلا ظليلا، ويستنشقوا نسيما عليلا، لكنها أخذتهم أخذا وبيلا، فقد سيقت إليهم للإحراق والاحتراق، بعدما أصابهم من ضيق التنفس، والاختناق، وإذا كانوا قد تحدوا نبيهم شعيبا من قبل وقالوا له:{فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ} ها هي السماء ترد على تحديهم بتحد أخطر واكبر، هو تحدي الهلاك والفناء، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى هنا:{فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ} والظلة هنا هي السحابة التي اجتمعوا تحتها ولجأوا إلى ظلها، فأصلتهم نارا، ولم تذر منهم على الأرض ديارا {إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}.
و (الأيكة) واحدة (الأيك) وهو الشجر الملتف الكثير، ونص ابن كثير على أن أصحاب الأيكة إنما أطلق عليهم هذا اللقب، نسبة إلى شجرة مخصوصة كانوا يعبدونها، وورد لفظ " الأيكة " في هذه السورة وسورة (ص) بصيغة (ليكة) على وزن ليلة، حيث خففت همزة الأيكة وألقيت حركتها على اللام فسقطت الهمزة بالمرة، ولم تبق حاجة إلى ألف الوصل، وكتبت بالحذف تبعا للنطق المخفف بدلا من الأصل، وبذلك جاء قوله تعالى هنا:{كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ} نظير قوله تعالى في سورة (ص): {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو