للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الزيادة في الكيل فهي من باب الإحسان، ولذلك لم يأمرهم بها، ولم ينههم عنها، فإن زادوا أحسنوا ونالوا حظا من الثواب، وإن لم يزيدوا لم يتعرضوا لأي إثم أو عقاب، إذ ما جرى على المثل يجري على المماثل. لكن " أصحاب الأيكة " كانوا مصرين على ما هم فيه من الضلال لا يهمهم إلا جمع المال، ولو بطريق الغش والاحتيال، وهم فوق ذلك لا يقرون لله بوجود ولا بنعمة، ولا يومنون لما له من قدرة وحكمة، ولذلك ردوا على شعيب أقبح رد قائلين: {قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ * وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} ثم أرادوا أن يتحدوه بطلب ما لا طوق له به، حتى إذا ما عجز عن تلبية طلبهم سجلوا عليه تهمة الكذب والادعاء، واعتبروا رسالته عبارة عن هذيان وهراء، ولذلك تحدوا شعيبا قائلين: {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} أي أسقط علينا جانبا من السماء على اعتبار أن السماء بمنزلة السقف للأرض. وبديهي ان أمرا كهذا لا يمكن أن يتم على يد أي واحد من البشر ولو علت منزلته، وثبتت نبوته، فما كان من شعيب إلا أن فوض أمره إلى الله قائلا: {قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ}.

وبعد ان أقام عليهم الحق سبحانه وتعالى الحجة، وأصروا على تنكب المحجة، فاجأهم بنوع غريب من العقاب ظاهره نعمة، وباطنه نقمة: ذلك أن الله سلط عليهم موجة عالية من الحر الشديد عمت ما فوق الأرض من المساكن والعمائر، وما تحت الأرض من الكهوف والمغاور، ولما اختنقت أنفاسهم في مساكنهم

<<  <  ج: ص:  >  >>