الكثيفة، التي تغشي أبصار الكافرين والمنافقين وبصائرهم، ممن أحاطت بهم خطيئاتهم من كل جانب، حتى أصبحوا وهم لا يهتدون سبيلا، ولا يجدون بين أيديهم دليلا، وفي مثل هؤلاء نزل قوله تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}.
وفي حصة هذا الربع آية أخرى كان لها أبلغ الأثر في تعميق عاطفة الإحسان بين المسلمين، ودفعهم إلى البذل في وجوه البر والخير دون حساب، ألا وهي قوله تعالى:{مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}. فهاهنا تعهد صريح من الحق سبحانه وتعالى الذي لا يخلف وعده بمضاعفة ربح المؤمن المحسن سبعمائة مرة، مقابل الواحد الذي أنفقه في سبيل الله، بينما أقصى ما يمكن أن يصل إليه ربح الأناني المستغل-مهما بذل من الوسائل-لن يتجاوز في الغالب المائة في المائة، وهذا إغراء لمن رزقهم الله أن ينفقوا مما رزقهم، ووعد لهم بمضاعفة الرزق والأجر إلى أقصى الحدود، حتى لا يشحوا ولا يبخلوا {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
غير أن الحق سبحانه وتعالى حذر المؤمنين المحسنين من أن يفسدوا صنيعهم، ويحبطوا عملهم، بالمن والأذى إذا أنفقوا وأحسنوا، فقال تعالى تهذيبا لهم وتعليما:{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.
والحكمة في ذلك أن المؤمن مهما كان فقيرا محتاجا فإن