للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

على قوله تعالى هنا: {قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ}: " فيه دليل على وجوب سياسة الكبار لمن هو في رعيتهم، وعلى حسن الاحتراز مما يخشى وقوعه، وأن ذلك مما تقتضيه عادة النفس ".

ثم حكى كتاب الله ما قام به سليمان من البحث عن الطائر المسمى بالهدهد، حيث أنه لم تقع عينه عليه، فلم يدر هل هو حاضر أم غائب {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ} ثم تساءل سليمان فيما إذا كان الهدهد غائبا هل تغيب من تلقاء نفسه في مهمة ولعذر مقبول، أم إنما ذلك منه مجرد غفلة وإهمال، حتى إذا لم يكن لغيبته مبرر عاقبه العقاب اللائق، وذلك قول سليمان فيما حكاه عنه كتاب الله: {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} وقد سأل ابن عباس عبد الله بن سلام: " لم تفقد سليمان الهدهد دون سائر الطير. فقال له: احتاج إلى الماء ولم يعرف عمقه، وكان الهدهد يعرف ذلك دون غيره من الطير فتفقده ". لكن سليمان لم يلبث إلا قليلا حتى أقبل عليه الهدهد رافع الرأس، مفتخرا بأن عنده من العلم ما ليس عند سليمان، وأنه حمل إليه خبرا يعد في بابه اكتشافا مهما جديرا بالنظر والإمعان {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} قال جار الله الزمخشري: " ألهم الله الهدهد فكافح سليمان أي واجهه بهذا الكلام، على ما أوتي من فضل النبوة والحكمة، والعلوم الجمة، ابتلاء له في علمه، وتنبيها على أن في أدنى خلقه وأضعفه من

<<  <  ج: ص:  >  >>