أحاط علما بما لم يحط به، لتتحاقر إليه نفسه، ويتصاغر إليه علمه، ويكون لطفا له في ترك الإعجاب، الذي هو فتنة العلماء، وأعظم بها فتنة ".
ومضى الهدهد يعرض على سليمان الخبر المثير الذي يصف فيه دولة سبأ، مشيرا إلى نظام الحكم القائم في هذه الدولة، وإلى ما هي عليه من ازدهار وتقدم ورخاء، ومصرحا بأن امرأة هي التي تجلس على عرشها العتيد، ومبينا نوع الدين الذي تدين به هي وقومها، وأنه من قبيل الديانة المجوسية، فقال وهو يخاطب سليمان:{إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ}.
ثم عقب على ذلك مستنكرا ما وجد عليه أهل سبأ من عبادة الشمس والسجود لها، بدلا من عبادة الله والسجود له، معترفا بأن الله الذي ألهمه معرفة الماء المغيب تحت الأرض هو الذي يكشف لخلقه عن كل ما هو سر مغيب عنهم، سواء كان في السماء وطباقها، أو في الأرض وأطباقها، وللتعبير عن هذه المعاني حكى عنه كتاب الله قوله:{وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ * أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} وختم الهدهد خطابه لسليمان، مذكرا له بأن الملك الحق والدائم هو ملك الله {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ}[الفرقان: ٢٦]، وأن العرش الذي لا تدانيه العروش، والعظيم