للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قائلا: {سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ}، فلم يسرع إلى ما وعده به من العذاب أو الذبح لأول ما وجده غائبا، طبقا لما قال: {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ}، وإنما وقف عند حد ما التزم به في الأخير إذ قال: {أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ}، فالأمر مرهون في النهاية بالحجة والبرهان، لا بالسطوة والسلطان، ومراد سليمان بالنظر في صدق الهدهد أو كذبه عندما قال له: {سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} هو التأمل فيما اعتذر به الهدهد عن غيبته، وفيما أخبر به مما اكتشف في رحلته، عملا بما يجب من التحري في تلقي الأخبار، والتعرف على الأسرار، ومن هذه الآية التي حكى كتاب الله على لسان سليمان استنبط الإمام القشيري في كتابه (لطائف الإشارات) " أن خبر الواحد لا يوجب العلم، بل يجب التوقف فيه على حد التجويز، وأنه لا يطرح، بل يجب ان يتعرف هل هو صدق أم كذب، وأن الوالي يمنعه عدله من الحيف على رعيته، ويقبل عذر من وجده في صورة المجرمين إذا كان صادقا في معذرته ". ونفس الرأي أخذ به القاضي أبو بكر (ابن العربي) وتابعه عليه القرطبي في تفسيره حيث قال: " في قوله أصدقت أم كنت من الكاذبين دليل على أن الإمام يجب عليه أن يقبل عذر رعيته، ويدرأ العقوبة عنهم في ظاهر أحوالهم بباطن أعذارهم، ولكن للإمام أن يمتحن ذلك إذا تعلق به حكم من أحكام الشريعة، وفي الصحيح: " ليس أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك أنزل الكتب وأرسل الرسل "، وحيث أن " الهدهد هو الذي قال ما قال لزمه الخروج من عهدة ما قال "، وقد كان لما أحاط به من العلم بشأن مملكة سبأ، واقتناع

<<  <  ج: ص:  >  >>