للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سليمان بصدقه في الخبر أثر بالغ في ترشيحه للسفارة عنه، ونقل كتابه إلى الملكة الجالسة على عرشها، فأصدر إليه سليمان أمره قائلا: {اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ}.

ويلاحظ على سليمان أنه لم يصدع بهذا الأمر إلى الهدهد فور ما سمعه يقول: {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ}، وإنما اهتز لذلك، ونطق بأمره، بعدما سمعه يقول: {وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ}، فالأمر هنا لا يتعلق بالتوسع في الملك، والمزيد من السطوة والسلطان، بقدر ما يتعلق بنشر التوحيد وعبادة الله، بدلا من عبادة الطبيعة والأوثان، وإنما قال: {فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ} بضمير الجمع بدلا من (ألقه إليها) لينسجم مع قوله قبل ذلك: {وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ} فالكتاب موجه إليها وإلى قومها، بدليل قوله تعالى فيه حسبما يأتي: {أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} بصيغة الجمع أيضا، ومعنى قوله: {ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ} الق الكتاب وتنح عنهم، التزاما للأدب، لكن كن حريصا على استيعاب ما يدور بينهم من مراجعة في القول حول مضمون الكتاب {فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} قال أبو حيان: " وفي قوله: {اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ} دليل على إرسال الرسل من الإمام إلى المشركين يبلغهم الدعوة، ويدعوهم إل الإسلام، وقد كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر وغيرهما من الملوك ".

وهنا انتقل كتاب الله إلى حكاية ما دار بين ملكة سبأ وقومها

<<  <  ج: ص:  >  >>