الرحمن الرحيم، وهو استفتاح شريف في مبناه، فريد في معناه، ثم ذكر اسم المرسل للكتاب قبل اسم المرسل إليه، وقد كان رسم المتقدمين إذا كتبوا كتابا أن يبدأوا بأنفسهم: من فلان إلى فلان، وبذلك جاءت الآثار. روى الربيع عن أنس رضي الله عنه قال:" ما كان أحد أعظم حرمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أصحابه إذا كتبوا إليه كتابا بدأوا بأنفسهم ". على أن البدء باسم المكتوب إليه جائز وشائع، وقد يكون هو المناسب في بعض الأحيان، ومأخذ التوجيه الثاني هو قول ملكة سبأ:{إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} وإنما وصفت ملكة سبأ كتاب سليمان بأنه (كتاب كريم) لأنه صيغ في لهجة مهذبة لا يشتم منها طمع في الملك، ولا رغبة في التوسع، وإنما تتضمن دعاء إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة {أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ} أي لا تتكبروا {وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} أي مذعنين منقادين، مستعدين لمفارقة الشرك والدخول في ملة التوحيد، ووصف الكتاب بالكريم هو غاية الوصف، ألا ترى إلى قوله تعالى:{إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} قال الإمام القشيري: " لما عرفت قدر الكتاب وصلت باحترامها إلى بقاء ملكها، ورزق الإسلام وصحبة سليمان ".
- والتوجيه الثالث ما يجب أن تكون عليه الرعية ونوابها من نصرة الراعي، والاستعداد لبذل النفس والنفيس في حماية الأوطان والدفاع عنها كلما توقعت خطرا أو تعرضت لخطر، والالتحام التام بين الراعي والرعية، مع الاعتراف بالمنزلة السامية التي تمتاز بها الرياسة والقومية، وذلك ما يتضمنه جواب الملأ لملكة سبأ، إذ