العلم الإلهي المحيط، ففاز علم الثاني على قوة الأول في المباراة، وذلك شأن العلم في كل حين، وعن هذه المباراة وما دار فيها من حوار مع سليمان يتحدث كتاب الله إذ يقول:{قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} وشاء الله ان تكون هذه الكرامة المنبثقة عن علم الكتاب، التي ظهرت على يد صاحب سليمان، إشراقة إلهية، سابقة على ما كشف عنه لخلقه في هذا الزمان، من علم أسرار الجو والطيران.
ولعل البعض يستغرب ويتساءل كيف تحقق هذا الأمر على يد " صاحب سليمان " وهو مجرد تابع، ولم يتحقق على يد سليمان نفسه وهو النبي المتبوع الذي قال الله في حقه وحق والده:{وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا} وقال في كتابه على لسان سليمان: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ} لكن من تذكر ما واجه به الهدهد وهو مجرد طير من الطيور سليمان عليه السلام عندما قال له فيما حكاه كتاب الله سابقا: {أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} لا يستغرب من هذا الأمر شيئا، فالله تعالى هو الذي أحاط بكل شيء علما، على أن مثل هذا السؤال قد سبق إلى وضعه أحد علماء التصوف الكبار وهو محمد بن علي الترمذي الحكيم ضمن الأسئلة التي وضعها لتمحيص المدعين في طريق القوم من غيرهم واختيارهم ومجموعها مائة وخمسة وخمسون سؤالا تصدى للجواب عنها جميعا (ابن عربي)