الحاتمي في فتوحاته المكية، وخلاصة جوابه عن هذا السؤال ما معناه: أن العلم بهذا الأمر لم يطو عن سليمان، وإنما طوي عنه الإذن في التصرف به، تنزيها لمقامه، كما أن ظهور هذا الأمر على يد " صاحب سليمان " كان أتم في حق سليمان، ما دام هذا الصاحب تابعا له، مصدقا بنبوته، قائما في الخدمة بين يديه تحت أمره ونهيه، وكل من رأى بركة هذا الرسول التي عادت على صاحبه - سواء أكان من أتباعه الأولين، أو من الوافدين عليه من مملكة سبأ - سيزداد رغبة في متابعته والتعلق به والدخول في دينه، حتى ينال ما ناله هذا التابع، إذ متى كان أمر التابع بهذه المثابة كان امر المتبوع فوق كل تقدير. وواضح ان كرامة الولي متى ثبتت ولايته تكون ملتحقة بمعجزة النبي، إذ لو لم يكن النبي صادقا في نبوته، لم تكن الكرامة تظهر على يد الخواص من أمته، إلى مثل هذا المعنى ينظر قول الشاعر:
والمرء في ميزانه أتباعه ... فاقدر إذن قدر النبي محمد
والآن وقد حقق الله لسليمان على يد صاحبه تلك الأمنية الغالية، وأصبح وصول ملكة سبأ إلى بلاطه قاب قوسين أو أدنى، وتم إعداد المفاجأة الكبرى لها بحضور عرشها بين يديه، قبل أن تقدم هي عليه، لترى رأي العين أن ملك سليمان مؤيد من الله بمعارف وأسرار، لا تقف دونها الحصون والأسوار، ها هو يشكر الله تعالى على ما أحاطه به من مظاهر العناية الإلهية، وها هو كتاب الله يصف مشاعره الدفينة، في أبهى حلة وأجمل زينة، إذ يقول: {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي