ولتتضاعف عناصر المفاجأة التي أعدها سليمان لملكه سبإ أمر بتنكير عرشها وإدخال تغييرات عليه في الشكل والهيئة، كما يتنكر الشخص حتى لا يعرفه بقية الناس، وقصد سليمان من ذلك امتحان قوة ذكائها وصدق فراستها، وذلك ما حكاه كتاب الله عنه إذ قال لأعوانه من رجال بلاطه:{قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ * فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ} وإنما وجهوا الخطاب إلى ملكة سبإ بصيغة التشبيه {أَهَكَذَا عَرْشُكِ} بدلا من (أهذا عرشك) لئلا يكون ذلك تلقينا لها، فيفوت الغرض من السؤال، وهو امتحان ذكائها، وإنما اختارت هي أن يكون جوابها بصيغة التشبيه أيضا دون نفي ولا إثبات، حيث قالت {كَأَنَّهُ هُوَ}، نظرا لما لاحظته من تغيير في شكل عرشها وهيئته، فقابلت تشبيههم بتشبيهها، وكان ذلك منتهى النجاح في الامتحان، ومنتهى البراعة في البيان، ولو قالوا لها أهذا عرشك لقالت نعم هو هو.
وبمناسبة قدوم ملكة سبإ على بلاط سليمان، واستقبالها فيه، يظهر أن الحديث دار بين رجال بلاطه حولها وحول الملة التي كانت عليها هي وقومها من قبل، والملة التي أكرمهم الله بها وكانوا فيها من السابقين الأولين، فكان كتاب الله لحديثهم بالمرصاد، وسجله على لسانهم إذ يقول:{وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ * وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ}.