وفوجئت ملكت سبإ من طرف رجال البلاط السليماني بدعوتها لمشاهدة بركة كبرى بساحة قصره العظيم، وكان بهذه البركة ماء كثير عميق، وقد غطيت بالزجاج الأبيض الصافي، والأسماك تسبح في مياهها كأنما تسبح في بحر أو نهر، بحيث يرى الماء تحت الزجاج في منتهى الصفاء، ولا يميز بين الزجاج والماء، فلما طلبوا من ملكة سبإ ولوج تلك البركة ضمت أطراف ملابسها، وكشفت عن ساقيها، على عادة كل من يخوض غمرات الماء، ظنا منها أن البركة عارية من كل غطاء، لكن " الدليل " الذي كان يرافقها في زيارة القصر بادر بتنبيهها إلى أن سطح البركة مصنوع من الزجاج الأملس الشفاف، وأنه من أجل ذلك يبدو الماء على غاية الصفاء، بالرغم من ذلك الغطاء، وإلى هذا المشهد المثير يشير قوله تعالى هنا في إيجاز وإعجاز:{قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ} قال مجاهد: " الصرح هنا البركة " وقال البخاري في كتاب التفسير من صحيحه: " الصرح بركة ماء ضرب عليها سليمان قوارير ألبسها إياه " و " اللجة " الماء الكثير، و " الممرد " المملس، ومنه الشجرة المرداء التي لا ورق عليها، والفتى الأمرد الذي لم تنبت له لحية، و " القوارير " من زجاج.
كان مسك الختام للزيارة التي قامت بها ملكة سبإ إلى بلاط سليمان هو إعلانها لمفارقة ما كانت عليه من الشرك " الذي هو ظلم عظيم "، والدخول مع سليمان في ملة التوحيد، التي لا تؤمن إلا بإله واحد هو رب العالمين، وكما التجأ آدم وزوجه إلى