الله إذ {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[الأعراف: ٢٣]، التجأت ملكة سبإ بدورها إلى ربها، تائبة من شركها، مستغفرة لذنبها، إذ {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، مستعملة نفس الصيغة التي أجاب بها إبراهيم ربه {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[البقرة: ١٣١]، وإنما قالت {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ} إشارة إلى مؤاخاتها له في الدين، ولم تقل " وأسلمت لسليمان " تفاديا من الوقوع في شرك جديد، فالمؤمن الموحد إنما يسلم وجهه لله وحده لا لغيره، وملكة سبإ وسليمان، يصدق عليهما معا في هذا المقام أنهما من " عباد الرحمن " قال تعالى: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}[لقمان: ٢٢]. وتتفق روايات التاريخ على أن سليمان أقر ملكة سبإ على ملكها، فعادت إلى مملكتها عزيزة مكرمة، أما زواجه بها فلم برد له ذكر في الكتاب ولا في السنة الصحيحة.
وهنا ينهي كتاب الله الحديث عن قصة سليمان، التي تفرعت عنها وتخللتها قصة النمل وقصة الهدهد وقصة ملكة سبإ، فاستغرقت من هذه السورة سورة النمل المكية اثنتين وثلاثين آية، لينتقل منها إلى الحديث عن قصة صالح، التي سبق له ذكر جانب منها في سورة الأعراف: ٧٣، وسورة هود: ٦١، وسورة الشعراء: ١٤٢، لكنه يعرضها في نسق جديد يتضمن عناصر جديدة، فيقول:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ}، وهاهنا يؤكد كتاب الله للمرة