الثالثة أن الله إنما أرسل إلى ثمود أخا لهم ورسولا من أنفسهم ينتسب إلى نسبهم، ليألف ويولف، ويسهل عليهم التفاهم معه، ويأخذ بيدهم إلى طريق الهدى والحق المبين، وإنما أشار إشارة خاطفة إلى انقسام قوم صالح بالنسبة لدعوته إلى فريقين اثنين، اكتفاء بما سبق له من وصفهما بتفصيل في سورة الأعراف إذ قال:{قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ}[الآيتان: ٧٥ - ٧٦]. وقد كان الملأ الذين استكبروا من قوم صالح " آمنين في جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم " وكانوا يتخذون من سهولها قصورا وينحتون من الجبال بيوتا، فأطغاهم ما نالوه من الترف وسعة العيش، وأضافوا إلى الكفر بنعمة الله الشرك به والكفر برسله، ثم أخذ كتاب الله يبين كيف كان صالح يتلطف بقومه، ويدعوهم إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ويجادلهم بالتي هي أحسن {قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ}. واستعجال قوم صالح بالسيئة قبل الحسنة يتجلى في تحديهم له، قائلين أحيانا:{يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}[الأعراف: ٧٧]، وقائلين له أحيانا أخرى:{فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}[الأعراف: ٧٠]، بينما باب التوبة مفتوح في وجوههم للحصول على المغفرة والثواب، بدلا من المؤاخذة والعقاب {لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ