تُرْحَمُونَ}. ومعنى {اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ} تشاءمنا بك وبمن معك من المؤمنين، إشارة إلى ما أخذ ينزل بهم من الشدة والقحط، بعد السعة والخصب، ابتلاء لهم من الله حتى ينيبوا إليه، ومعنى {طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ} أن مرد السعة والضيق، والخصب والقحط، ليس إلى أحد من البشر، وإنما هو قضاء الله وقدره، إن شاء رزقكم وإن شاء حرمكم، ولا يظلم ربك أحدا، ويشبه قول ثمود هنا في التشاؤم بصالح قول بني إسرائيل في التشاؤم بموسى، إذ قالوا له:{أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا}[الأعراف: ١٢٩]، قال القرطبي:" لا شيء أضر بالرأي ولا أفسد للتدبير، من اعتقاد الطيرة، ومن ظن أن خوار بقرة، أو نعيق غراب، يرد قضاء أو يدفع مقدورا فقد جهل ". ثم لفت صالح أنظار قومه إلى أن ما هم عليه من عناد وفساد، وما هم فيه من ضلال وعماء، هو السبب الحقيقي لما حل بهم من الضيق والابتلاء، فقال لهم:{بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ}، ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى في آية أخرى:{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}[الأنبياء: ٣٥]. وهاهنا يحسن التنبيه إلى أن ما دار بين صالح وقومه من تشاؤمهم به وبمن معه من المؤمنين، ورده عليهم ردا مفحما بإبطال الطيرة من أصلها، لم يرد ذكره فيما سبق أن حكاه كتاب الله من قصة صالح، فهو عنصر جديد في سياق قصته بهذه السورة.
وإذا كان كتاب الله قد سلك مسلك الإجمال في ذكر المفسدين من قوم صالح الذين كانوا يقفون في وجهه، فحكى