من سورة المادة:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ}[الآية: ٤٨] وقال تعالى هنا في سورة النمل، التي قص فيها على نبيه عدة قصص لها علاقة وثيقة بتاريخ بني إسرائيل وكتبهم المحرفة:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ * وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}، كما قال في مطلع هذه السورة قبل أن يشرع في قصة موسى:{وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ * إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ}[الآيتان: ٦، ٧]، وكما قال تعالى في سورة المائدة بعد التصريح بهيمنة القرآن على غيره من الكتب السابقة:{فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ}[الآية: ٤٨] قال تعالى هنا في سورة النمل: {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ}، ولما كان (القضاء) المفهوم من قوله تعالى: {يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ} يقتضي العلم بما يحكم به، وتنفيذ ما يقضي به، جاءت عقبة الصفتان الملائمتان لذلك، وهما صفة " العلم " للوصول إلى معرفة الحكم، وصفة " العزة " التي هي الغلبة والقدرة، للتمكن من تنفيذه، فقال تعالى في نفس السياق:{وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ}.
وإمدادا للرسول الأعظم بمدد إلهي جديد، وهو في خضم المعركة مع قوى الشرك والإلحاد، والشر والفساد، وتثبيتا لفؤاده حتى يتخطى جميع العقبات والمزالق، وجه إليه كتاب الله هذا الخطاب الرقيق الرفيق:{فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ}، ومن كان الله له نصيرا وعليه وكيلا، لم ينل منه العدو