كثيرا ولا قليلا، قال جار الله الزمخشري:" وعلل التوكل بأنه على الحق الأبلج، الذي لا يتعلق به الشك والظن، وفيه بيان ان صاحب الحق حقيق بالوثوق بصنع الله وبنصرته، وأن مثله لا يخذل "{وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}.
وليريح الحق سبحانه وتعالى ضمير رسوله من العناء الكبير، الذي يلاقيه ممن طبع الله على قلوبهم عندما لا يستجيبون لله ورسوله {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}[الشعراء: ٣] وليرفع عنه كل مسؤولية في عدم استجابتهم، بعد بذل الجهد البالغ في أداء الأمانة، خاطبه قائلا:{إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ} فمن كان ميت القلب، أصم الأذن، أعمى البصر والبصيرة، لا شفاء له من دائه العياء، ولا أمل في هدايته ولا رجاء، {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}[القصص: ٥٦].
وعلى العكس من ذلك من كان حريصا على كشف حقيقة ذاته، والتعرف على جوهر إنسانيته، وإدراك دوره في الحياة ورسالته، فإنه لا محالة يفتح قلبه وعقله للتأمل والنظر، ويفتح أذنه وعينه لاستيعاب كل ما يسمعه ويراه من المثلات والعبر، فينقاد للحق الذي طالما بحث عنه وسعى إليه، وبمجرد ما يكتشفه ويعثر عليه، وعلى مثل هذا الصنف من الناس يصدق قوله تعالى في ختام هذه الحصة:{إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ}.