تتحسس كل ما يحيط بأخيها من الحركات والسكنات، من دون أن يعرف أحد من آل فرعون أنه أخوها وأنها أخته، فتقدمت إلى امرأة فرعون وزوجها تعرض استعدادها للبحث عن بيت يقوم بهذه المهمة الإنسانية على أحسن وجه، فيأخذ على عاتقه إرضاع هذا الوليد وحضانته، ويعنى بتربيته الأولى بكل نصح واعتناء، إلى أن يفارق مرحلة الرضاع، وتنجح أخته في مسعاها، فتأخذه معها إلى أمه، ويرده الله إليها كما وعدها من قبل، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى في بداية هذا الثمن:{وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ} أي ألهمناه قبل رده إلى أمه أن لا يقبل الرضاع من ثدي أية امرأة سواها، " فالتحريم هنا تحريم منع، لا تحريم شرع " كما قال القرطبي.
{فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} والقائلة هي أخته {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ}، وبذلك سكنت نفسها، وتم أنسها، وترقرقت في عينيها دموع الغبطة والفرح التي تكون باردة في العادة {كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا} من " القر " ضد الحر، لا ساخنة مثل دموع الحزن والكمد، وتمت هذه العملية الخطيرة في حفظ الله وستره، فلم يكتشف السر فيها لا فرعون ولا زوجه ولا بقية آل فرعون، اعتقادا منهم جميعا بأن المرضعة التي عثروا عليها بإرشاد أخته لا علاقة لها بالوليد الرضيع، لا من قريب ولا من بعيد، وأنها مجرد مرضعة وحاضنة، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى تعقيبا على نفس الحادثة:{وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}.