وهنا تنتهي الآيات التي عنيت بوصف الطور الأول من حياة موسى لتبدأ الآيات التي ستعنى بمرحلة نضجه وشبابه، ووصف ما آتاه الله من عقل وفهم، ومعرفة بدين آبائه الصالحين، وتهتم بما اعترض حياته في هذه الفترة من الحادث المزعج، الذي أدى إلى مقتل أحد الرعايا الفرعونيين، وما واجهه عقب ذلك الحادث من مخاوف ومتاعب، حتى اضطر لأن يفارق مصر إلى بلد لم تبق فيه سلطة لفرعون وآله، فرارا من عقابه وعذابه.
وبداية الآيات الخاصة بهذا الطور الثاني من حياة موسى قوله تعالى:{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} أي استكمل قوته الجسمية وقوته العقلية {آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} أي حكمة وفهما {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} أي تلك سنة الله مع عباده المكرمين، الذين اصطفاهم ليكونوا من رسله وأنبيائه، وأصفيائه وأوليائه، وقد سبق في سورة يوسف على غرار هذه الآية قوله تعالى منوها بمكانة يوسف عليه السلام:{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}[الآية: ٢٢].
ويبدأ " بلوغ الأشد " عند بلوغ الحلم، ومن توابع ذلك أن يصبح الفتى أهلا لممارسة الحياة الزوجية، وينظر لهذا المعنى قوله تعالى:{حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ}[النساء: ٦] ويشهد له قوله تعالى في سورة الحج: {وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ}[الآية: ٥] وقوله تعالى في سورة غافر: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا