فيظن أنه من الظالمين، وكم من ظالم يخدع الناس بأنه مظلوم وهو من كبار المجرمين {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ}. وقد استنبط أهل العلم رضي الله عنهم من هذه الآية توجيها أخلاقيا دقيقا، ألا وهو وجوب البعد عن مناصرة الظلمة والفسقة، وعدم إعانتهم على ظلمهم وفسقهم بالمرة، ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى:{وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ}[هود: ١١٣].
ووصفت الآيات بعد ذلك انعكاسات الحادث على نفسية موسى من جهة وعلى وضعيته القلقة في المجتمع الفرعوني من جهة أخرى، ثم وصفت مضاعفات الحادث، وانتشار خبره بين الناس، وما يمكن أن يتطور إليه، وإلى ذلك كله تشير الآيات التالية:{فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ} و " الترقب " انتظار الأمر المكروه {فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ} من الصراخ، أي يصيح به مستغيثا من فرعوني آخر {قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ} أي ظاهر الغواية واللدد، يقصد بذلك عتابه وتأنيبه {فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا} أي عندما خيل للفرعوني أن موسى يهم بدفعه والبطش به {قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ} ومعنى " الجبار " في هذا المقام الذي يفعل ما يريد من الضرب والقتل بظلم، لا ينظر في العواقب، ولا يدفع بالتي هي أحسن.