إلى مساكنهم، وتخلو الطرق {فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى} أي دفعه بكفه {فَقَضَى عَلَيْهِ} ولم يكن قصد موسى قتله، وإنما قصد دفعه فكانت فيه نفسه، وهو معنى " فقضى عليه "، وكل شيء أتيت عليه وفرغت منه فقد " قضيت عليه ". قال القاضي أبو بكر (ابن العربي): " وإنما أغاثه - أي أغاث الذي هو من شيعته وقومه - لأن نصر المظلوم دين في الملل كلها، وفرض في جميع الشرائع ".
ولم يلبث موسى بعد هذا الحادث المفاجئ أن استولى عليه الندم، لما آل إليه تدخله في هذا الاشتباك، وتمنى لو أنه دفع الظالم بأيسر مما دفعه، وود لو أن الأقدار مكنته من نصرة المظلوم وإغاثته، من دون أن يقع ما وقع {قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} مشيرا إلى ما استولى عليه من الحدة والغضب أثناء الحادث المذكور {إِنَّهُ} أي الشيطان {عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ}. وتعبيرا عما أصابه من الحسرة والندم اتجه إلى ربه خاشعا مستغفرا {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي} على نهج آدم وزوجه، إذ {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[الأعراف: ٢٣]، فاستجاب له ربه {فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} ولا عتاب بعد المغفرة.
وبعد أن غفر الله له عاهد ربه على أن لا يتورط فيما يؤدي إلى مثل ما أدى إليه هذا الحادث، فكم من مظلوم يلتبس أمره على الناس