{إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ}[الصافات: ٩٩]، وموسى عليه السلام قلما يذكر كلاما في الاستدلال، والجواب، والدعاء، والتضرع، إلا ما ذكره إبراهيم عليه السلام، وهكذا الخلف الصدق (الصدق جمع صدوق) للسلف الصالح، صلوات الله عليهم وعلى جميع الطيبين المطهرين ".
وينتقل كتاب الله إلى الحديث عن رحلة موسى من بدايتها إلى نهايتها عندما وافى " ماء مدين " وكان الوقت وقت الهاجرة، ووجد الناس محلقين حول بئرهم التي يسقون منها، إذ هي مورد شربهم وسقيهم، وهم يتناوبون على السقي منها الواحد تلو الآخر، ثم يصبون الماء في الحياض لسقي مواشيهم، وكانوا أهل ماشية، وذلك ما يشير إليه إشارة خاطفة قوله تعالى هنا:{وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ}، والمراد " بالأمة " هنا جماعة كثيرة العدد من أناس مختلفين، والظاهر أن موسى عليه السلام كان في حالة عطش من تعب الطريق وشدة الحر، فبادر إلى " ماء مدين " لري عطشه وغسل أطرافه. غير أنه لاحظ في نفس الوقت وقوف امرأتين معتزلتين عن الزحام، مكتفيتين بحجز غنمهما عن حياض الماء وعن الاختلاط بأغنام الرعاة الأشداء الأقوياء، في انتظار انتهائهم من سقي مواشيهم وانصرافهم، عسى أن تنالا نصيبهما من الماء الذي يفضل عن الآخرين إن أسعدهما الحظ، وذلك ما يشير إليه كتاب الله هنا في إيجاز وإعجاز إذ يقول:{وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ} أي تحجزان أغنامهما عن الماء حتى يفرغ الرعاة وتخلو لهما البئر.